الرجوع الى الخلف أهلا بكم في مدونتي

الأحد، يوليو 12، 2009

قراءة نقدية في قصة " فارس بلا جواد"

قراءة نقدية في قصة " فارس بلا جواد"
للكاتب محمد فري

تنهض القصة على فكرة أساسية، وهي الواقع الأليم الذي يعيشه المواطن القروي المهمش الفقير، والذي يعتمد على منتجات الأرض،و ينتظر المطر بفارغ الصبر.يمتزج الأمل بالألم ليشيدا خيمة حلم يعيش صالح بن المعطي أو" دون كيشوت" تحت ظلها، إنه بطل القصة التي جعل محمد فري كلماتها مسدسات عامرة بقذائفها كما يقول بريس بارين Brice barain..
ينتقل بنا محمد فري في قطار من الأفكار، ينقش البداية والنهاية، فتشكل المعاناة دائرة مغلقة لا يخرج منها البطل.يشرق السؤال في سماء القصة، أنتقي منه خيطا لعلني أهتدي إلى مداخل ومخارج هذا النص:فارس بلا جواد.أمسك بشعاع المحور الاجتماعي فأرى صالح بن المعطي يعيش الفقر، باع جزءا من أراضيه هاجر أولاده إلى إيطاليا للبحث عن عمل بعد أن لفظتهم القرية، بقي وحيدا تطارده الديون من كل حدب وصوب،يأكل قطعة خبز ويشرب إناء لبن في الغداء.لماذا تردت حاله وأصبح يعاني ككل الفقراء؟ وما أصعب معاناة بطلنا عندما يستيقظ فلا يجدصحة ولا مالا ولا ولدا.تأملت شعاعا كان منطفئا، لكنني أشعلت فتيلته بالسؤال، فأضاءت نفسية صالح بن المعطي :شخص فقد الأمل وراح يتأمل الحلم ويتمسك به، حلم يذكره بالماضي البهي الجميل: -كان الخير كثير والزرع وفير- كان قويا شرب إناء السمن المذاب-كان فارسا يملك فرسا يجري عليه كالريشة ويلاعب بندقيته بمهارة.-كان يتوفر على الفرس البركي، وهو من الخيول الأصيلة، يقود فرقة الفرسان الذين سيقاتلون في معركة وهمية-كان يوفر لفرسه أحسن رعاية: عبرة من الشعير خالية من الحصي والحجارة الصغيرة، ودلو ماء صاف عذب، وحمام يومي للمحافظة على نشاط الفرس وحيويته.فجأة يتغير الزمن، يصبح راعيا لنعجات يبحث لها عن طعام مستحيل، كالدم لا يمكن أن نصنعه.كان فارسا أصبح راعياتحولت البندقية بفعل الزمن إلى عصا، وأيام العز تضيف حرفا للكلمة) العز( فتصير الأيام عجزا.تحضرني نظرية أوفيد في التحولات حيث يقول :" إن السماء وكل ما تحتها يتغير وكذلك الأرض وما تضمه، ونحن كذلك جزء من الكون، لأننا لسنا أجسادا فحسب، بل نحن كذلك أرواح مجنحة تستطيع أن تجد لها مأوى في أجساد الحيوانات المفترسة أو الأليفة".وعندما يغيب السؤال، نتساءل مع محمد فري: هل غياب المطر هو المسؤول عن تدهور وضعية صالح بن المعطي؟وهل المطر غاب لأن الأخلاق غابت؟ هل هو عقاب الله ؟ حسب خواطر البطل؟ربما هناك سؤال آخر لا أريد طرحه كما لم يطرحه الكاتب ينقش أسئلة كثيرة مسكوت عنها ......إن اللغة التي استعملها محمد فري في هذا النص هي من السهل الممتنع، تمتح مباشرة من معين اللغة الحية.ونشير إلى أن اعتماد التسلسل الفكري للغة بهذا الشكل يساعد القارئ على نسج ذلك الخيال وحتى إن كان مستعصيا على البعض .فاللغة المغربية تأتي على لسان صالح بن المعطي ولسان أعيان الخيمة الكبرى، تبتدئ بالدعاء وتختتم به وبين البداية والنهاية تشيد اللغة إشارات رمزية.دعيو معانا يا الشرفاسيروا الله يبيض سعدكمويقويكم على من عاداكمالإشارات اللغوية السيميائيةالحافظ الله : الانطلاقةآروا الخيل : سرعة الخيل وغبار يتصاعد بإطلاق الأعنة لهاشدوا الخيل : الاقتراب من خيط الوصول وشد الأعنةاستعدادا للطلقة الجماعية الواحدةالمكاحل المكاحل : رفع البنادق والإمساك بالأعنة وانتظار إشارة القائدهوبــــ : لحظة انطلاقة أصوات انفجار البارودوبعد هذه النهاية المتقنة للفرسان، واطلاق البارود بنجاح،نجد القايد من داخل الخيمة الكبرى يختم كلامه بالدعاء فيقول : الله يرضي عليكمالله يكون منكم الزرع والزريعةمعاكم دعوات السادات الصالحينهناك إشارات سيميائية شكلية : حيث نجد ثنائية بين البندقية والعصا، فصالح بن المعطي أو" دون كيشوت يرى العصا بندقيةألم يكن مهووسا بالفروسية ؟يقول السارد أيضا " إيه يالحظات الماضي..كان " مقدم الدوار " يأتي بنفسه باحثا عن " صالح بن المعطي " ليخبره عن رغبة " القايد " في إقامة " التبوريدة "..وأن حضوره مع فرسان الدوار ضروري.. "ويختم "..فتصطدم يده بورقة رثة.. ويتذكر إنذار القرض الفلاحي الذي عجز عن تسديد ديونه القديمة والمتأخرة."نلاحظ جليا أن استدعاء القائد يختلف عن استدعاء القرض الفلاحي....أود أن أختم هذه القراءة بما يلي :نص فارس بلا جواد له أكثر من بعد ....لم يعتمد محمد فري على العقدة والحل نظرا لأن القصة الحديثة لا يشترط فيها ذلكيستعمل محمد فري أسلوب السخرية متمثلا في قول السارد "الغيث صدر إلى الخارج"هناك ثنائية التضاد في نص مغلق مثل الدائرة لا يمكن للبطل أن يخرج من أجوائها فهناك الحلم أي استرجاع الماضي وهو خط مستقيم داخل الدائرة يمثل بلغة الرياضيات (-1) أما الصفر(0) فيمثل لحظة تواجده مع نعاجه وهو الواقع المِؤلم، ويبقى (+1) منعدما لعدة اعتبارات، هل سيمنحه القرض الفلاحي قرضا آخر ؟ هل هو الحلم بعودة الأولاد من ايطاليا؟ حتى وان سلمنا بذلك وقلنا يمكن أن نبدأ من( +1) فالواقع يرمز إلى السلبيوالسلبي مع الايجابي يشكلان وحدة سلبية.ومهما يكن من أمر فإن صالح بن المعطي يستمد قوته من خياله ويهرب من الواقع إنه فارس وجواده هو الحلم: حلم عاش ماضيا وانعدم حاضرا.
ثريا حمدون
منتديات مجلة أقلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

....

...