الرجوع الى الخلف أهلا بكم في مدونتي

الخميس، يوليو 02، 2009

هواجس على هامش السرد

بقدر ما أنا سعيد باحتلالي هذا المنبر..بقدر ما أنا منفعل ومضطرب..السارد الذي عولت عليه عصيني وتمرد علي، فتركني في ورطة لم أستعد لها، حاولت استرضاءه والتقرب إليه دون جدوى، فقد صمم على عناده وغيابه..ربما اعتصم بدوره في مكان ما مطالبا بحقوق لا أعرف عنها شيئا..أو ربما كان متوترا بدوره، يرهب اللحظة التي تفرض عليه أن يواجهكم فيها بحكيه.. قلت لابأس، سأحاول الاستغناء عن خدماته، وأغض الطرف عن وساطته، خصوصا وأنها وساطة تسقطنا في لعبة الضمائر وزوايا النظر، فنضيع بين المتكلم والمخاطب والغائب، وتتعقد الأمور في بعض الأحيان، ، فتغيب الحبكة والرهان، ويختلط الزمان بالمكان، ويرحل الحكي مع خبر كان… فكرت أن تكون قصة ذات طابع خاص، تبتعد عن المعتاد والمطروق، وتتباهى بزي منمق مرموق، تبهر السامع، وتشد ذهنه بأسلوب لامع.. ترددت في اختيار تيارها ومنهجها.. وقلت سأنطلق من الواقع، فهو يحفل بالأحداث العديدة، وبالوقائع القديمة والجديدة، ولن أكتفي بالنقل أو الوصف المحايد، بل سأعيد السرد عن طريق إعادة البناء ..هي عبارة سمعتها عند الكثير من النقاد وهم يصفون ويحللون وينتقدون، فأعجبتني العبارة، وقلت أجرب دون اعتبار الخسارة. فكرة مثيرة حقا..لعلكم تتفقون معي فيها..أليس كذلك سيداتي و سادتي؟.. غير أن الأمر ما يزال مقلقا بالنسبة لي..وماتزال بعض الهواجس تتراكم بذهني..فالنص رغم بريق لفظة “إعادة البناء “، سيبقى مخلصا للتيار الواقعي..مصنفا في خانته..والمشكل أن الكثيرين الآن يعتبرونه تيارا متجاوزا..بل هناك من وصفه بالأصنام التي يجب تحطيمها وهدمها..فخشيت أن أصنف مع أصحاب الرأي القديم، وذوي الفكر الرميم..و صعقت عندما سمعتهم يهتفون بقتل الأب..وقلت ماشأني وتيار يثير غضب البعض ونقمتهم..فيصل بهم الأمر إلى التفكير في قتل الأب والجد وأب الجد..؟ ولعلهم يقصدون ما تركوه من موروث عفا زمنه..وانقضى ألقه وعمله..على كل أنا لا أنتظر إرثا..ولا أملك إلا ما أتوفر عليه من زاد بعض الكلمات.. أحاول التعبير بها عن بعض المَهمات…ولايهمني أن يقتلوا الأب والجد والعائلة كلها..أو أن يقتلوا النص برمته..ليتهم على الأقل يتركون المؤلف فلا يمسونه بسوء. هاأنتم تلاحظون سيداتي سادتي أن الحيرة تستبد بي.. مع أن الأمر في غاية البساطة، فكل ما أرومه هو تقديم نص ألقيه على جنابكم في هذه الجلسة الكريمة المخصصة للسرد..وللقصير منه بالخصوص.. فكرت من جديد..وتساءلت: أليس من المستحسن أن أعتمد تيارا حديثا – حتى ولو لم يكن حديثا بما فيه الكفاية – وأتجاوز ما يثير التصنيف مع القدماء؟.. لم لا أشتغل على اللغة كما يقولون.. وأجرب كما يجربون؟ وأكسر وأحطم كما يكسرون ويحطمون..؟؟ فسوق التجريب رائجة.. والحركة فيها هائجة مائجة..فعلى بركة الله..ولأخض هذه التجربة المثيرة.. على الأقل لن أخسر شيئا إذا فشل تجريبي أو فشلت تجربتي..ومهما كانت الانتقادات سأقول إنني كنت أجرب..ولم أدع عملا متكاملا منتهيا..هي تجربة وحسب..والتجربة دائما عمل مفتوح.. والكثيرون يعيدون كتابة النص مرات عديدة في نطاق التجريب والتجربة.. بذلك سأتخلص من هواجسي التي يذكيها ترددي وعدم يقيني.. وللإشارة هنا أرجوكم سيداتي سادتي ..لا تحسبوا إشارتي هنا غمزا أو لمزا..فأنا لا أعرض ب\أحد، ولا أعارض تيارا معينا.. وربما لا أساند آخر..أريد أن أبقى دائما محايدا.. وقد يساعدني الحظ.. وتفيدني الممارسة فأكتشف تيارا محايدا لا ينبذ القديم ولا يرحب بالجديد..لا تسألوني سيداتي سادتي عن التفاصيل..هي هواجس تصدر عني..وربما أفكر الآن بصوت مرتفع.. فتظهر لكم أفكاري غير خاضعة لمنطق معين.. على كل الخضوع لمنطق الأشياء يحيل على المحدود.. والمحدود نقصان دائما.. عفوا سيداتي وسادتي .. أخشى أن أضايقكم بهواجسي .. لكن أؤكد لكم من جديد أنني لا أستطيع السيطرة عليها .. ولا أتحكم فيها..وهذا يزيد من تكريس معاناتي .. فهي ما تزال تلاحقني اللحظة .. لذا أرجو تقدير الموقف. لا أخفي عليكم شيئا عزيزاتي أعزائي.. الحيرة تستبد بي .. والذهن يبحث باستمرار عن النص المناسب..المناسب لهذه الجلسة طبعا .. والمناسب لي أيضا..والتفكير أرقني كثيرا .. خصوصا وأنني لست الوحيد الذي سيتحدث إليكم اليوم.. فهناك كتاب آخرون سيتناوبون على هذا المنبر .. وسيقرأون نصوصهم بدورهم..وبقدر ما أشعر بنوع من السعادة وأنا بينهم.. أتعرف على بعضهم وأجدد اللقاء مع بعضهم الآخر.. بقدر ما أشعر بنوع من الرعب ينتابني .. وبظنون متلاطمة تغزوني .. فأنا يا سيداتي و يا سادتي أجهل الوضعية التي سيحتلها نصي (أقصد المكتوب طبعا، والذي يلزمني أن أقرأه عليكم ) مقارنة مع نصوص المشاركين الآخرين .. وهذا هاجس آخر ينضاف إلى سابقيه.. ويرفع من درجة التوتر. أعترف إذن أن هواجسي تتضخم أكثر وأكثر.. وربما سيتسبب لي ذلك في عقدة لا يمكن حلها .. حتى ولو تضافرت عليها جهود أساطين المحللين النفسايين .. عفوا سيداتي سادتي .. أعتذر مرة أخرى إن أطلت .. وأعتذر للمشرفين على هذه الجلسة أيضا .. فالوقت محدد مسبقا .. وأنا أعترف بذلك .. لكن أقسم لكم أنني صادق فيما أقول .. بل فيما أعترف به لكم..فما زلت أبحث عن النص الذي أنا ملزم بقراءته عليكم. بالأمس فقط التقيت بصديق شاركني مرحلة الدراسة بالكلية .. فحكيت له عن هواجسي .. واعترفت له بحيرتي ومشكلتي، وليتني ما فعلت ذلك..فقد أجابني بقهقهة صاخبة أزعجتني وضاعفت من قلقي .. بل تضاعف هاجسي عندما سألني عن جدوى الكتابة .. ووصل بي الحد إلى الغيظ والغضب الشديدين عندما أكد عجز الكتابة عن أن تنتج ولو مسمارا رخيصا..وأن الأمر يبقى كلاما في كلام.. ثم قهقه من جديد وابتعد عني ساخرا.. لا أخفيكم مدى تأثير كلامه في نفسي .. والتساؤلات التي أثارها بداخلي.. هل للكتابة فائدة حقا؟ وإن كان ذلك حقيقيا..فماهو السبيل إلى ذلك؟ وما خصوصيات الكتابة المفيدة؟ وما طبيعة هذه الفائدة؟ هي تساؤلات أعترف أنها زادت من همي وغمي .. وأقر بأنني عاجز عن مناقشتها والتفكير في عناصرها .. ولست مستعدا أن يناقشني فيها البعض .. فيتهمني بقصور الفكر وضبابية الرؤيا .. وهذا طبعا يضاعف هواجسي كالعادة..ويعقد مشكلتي. معذرة مرة أخرى .. كان حريا بي أن أحكي لكم حكيا .. وأسرد عليكم سردا .. لكن التفكير انزاح عما قصدته قصداً .. وابتعدت عن الغاية بعداً .. فلم أملك لذلك رداً .. فلتتقبل قصتي أريحيتُكم .. وأعتذر إن أخلفت أفق انتظاركم .. فالعتب على غياب السارد .. وعلى عجزي عن الإمساك بهذا المارد.. ومع ذلك أيتها السيدات .. أيها السادة .. زملائي .. زميلاتي .. أصرح أنني لن أستسلم .. سأكتب لا محالة حروفا وكلماتْ .. تنضاف إلى نصوص سابقاتْ .. وأعدكم – للمرة الألف – أنني سأنتصر على الهواجس اللعينة ..وأبحث عن سارد جيد ..يحقق الوعد المعهود .. ويمنحني النغم المفقود.. فمازلت أتوق إلى نص مختلف .. يمتعني ويمتعكم .. ويحقق رغبتي ورغبتكم .. فانتظروني أعز الله قدركم .. وشرف جمعكم..والشكر الجزيل لكم. عفوا أيها الإخوة والأخوات لم أنته بعد.. أعترف وأنا أتعثر خجلا . بأنني بحاجة إلى تصفيقاتكم .. وأرجو أن تكون صادقة غير مجاملة .. وأهمس لكم بسر .. وأرجو أن يبقى بيننا.. ولا يسمعه غيرنا: هذه التصفيقات هي زادي الوحيد الذي سأتغلب به على هواجسي.. شكرا لكم جميعا مرة أخرى ( ملتقى القصة بالبيضاء - 28/07/07 ) محمـــد فـــري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

....

...